بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أُحيتي ...
أهلاً وسهلاً بك في رحلتنا إلى دار النعيم إلى الجنة،
إلى مطاعم الجنة:
وهل في الجنة مطاعم؟! نعم، فيها مطاعم ومشارب، ولا ينبئك مثل القرآن،
واسمعي إليه يحدثك، ويصف لك من ذلك الكثير.
قال - تعالى -: ((يا عبادِ لا خوف عليك اليوم ولا أنتم تحزنون، الذين ءامنوا بآياتنا
وكانوا مسلمين، ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون، يطاف عليهم بصحاف
من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون))
(الزخرف: 68: 71).
وقال - سبحانه وتعالى -:
((وفاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون)) (الواقعة: 20: 21).
ورغم ذلك التنعم بأصناف الطعام والشراب إلا أن أهل الجنة ليس لطعامهم
فضلات يحتاجون إلى أخراجها ببول، أو بغائط، فأين يا ترى يذهب ذلك الطعام في أجسامهم؟!
يجيبنا عن هذا السؤال، حبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول:
((إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون، ولا يبولون، ولا يتغوطون،
ولا يمتخطون، قالوا: فما بال الطعام؟، قال جشاء ورشح كرشح
المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس))،
رواه مسلم.
وهنا قد يخطر ببالك سؤال ثان طريف:
لماذا يأكل أهل الجنة، ويشربون ويمتشطون؟
فإذا كان أهل الجنة فيها خالدون، وكانت الجنة خالية من الآلام،
والأوجاع، والأمراض، لا جوع فيها ولا عطش، ولا قاذورات ولا أوساخ،
فلماذا إذاً يأكل أهل الجنة فيها ويشربون؟ ولماذا يتطيبون ويمتشطون؟
أجاب الإمام القرطبي - رحمه الله -، فقال:
((نعيم أهل الجنة، وكسوتهم، ليس عن دفع ألم اعتداهم، فليس أكلهم عن جوع،
ولا شربهم عن ظمأ، ولا تطيبهم عن نتن، وإنما هي لذات متوالية، ونعم متتابعة
ألا ترى قوله - تعالى -لآدم - عليه السلام -:
((إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمؤ فيها ولا تضحى))
(طه: 118: 119).
وحكمة ذلك: أن الله - تعالى -عرفهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا،
وزادهم على ذلك ما لا يعلمه إلا الله - عز وجل -)، كتاب التذكرة للقرطبي.
الحلي والحلل:
وإذا كنتِ من عشاق الأناقة والذوق الرفيع، فقد حباكِ الله - تعالى -في الجنة
بأنواع الحلل الفاخرة، ومن أجود أنواع الحرير على اختلاف أصنافها،
مما يدهش اللب، ويحير العقل.
يقول الله - تعالى -: ((أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون
فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك)) (الكهف: 31).
ويقول - جل وعلا -: ((عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلو أساور من فضة))
(الإنسان: 21).
ويقول عنهم - سبحانه -: ((إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير)).
(الحج: 23)
سوق الجنة:
وإلى هوايات البيع والشراء، أقول لهن: أبشروا، فقد أعد الله - تعالى -
لكم في الجنة سوقاً مخصصة لكم، ولئن كان الواحد منا في الدنيا يعود من
جولة التسوق في الدنيا مرهقاً، زري الهيئة والثياب، فإن الأمر في دار النعيم بخلاف ذلك.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجنة لسوقاً، يأتونها كل جمعة، فتهب
ريح الشمال، فتحثوا في وجوههم وثيابهم؛ فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم،
وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً، فيقولان:
وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً))،
رواه مسلم.
خدم أهل الجنة:
ويخدم أهل الجنة ولدان ينشئهم الله - تعالى -لخدمتهم يكونون في غاية الجمال والكمال
كما قال - تعالى -: ((يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين))
(الواقعة: 17: 18).
وقال - سبحانه وتعالى -: ((ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثوراً))
(الإنسان: 19).
فيطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان أهل الجنة، على حالة واحدة مخلدون
عليها، لا يتغيرون عنها، لا تزيد أعمارهم عن تلك السن، إذا رأيتهم في انتشارهم في
قضاء حوائج السادة، وكثرتهم، وصياحة وجوههم، وحسن ألوانهم، وثيابهم، وحليهم؛
حسبتهم لؤلؤاً منثوراًَ.
تسبيح وتكبير:
ومع أن الجنة دار جزاء وإنعام، لا دار تكليف واختبار، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول في أهلها: ((يسبحون الله فيها بكرة وعشياً))،
رواه البخاري.
وهذا التسبيح إنما هو من باب التنعم بذكر الله - تعالى -، وليس من باب التكليف والعبادة،
قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: ((هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام وقد فسره جابر
في حديثه عند مسلم بقوله: ((يلهمون التسبيح كما تلهمون النفس))،
رواه مسلم.
"ووجه التشبيه: إن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه، ولابد منه فجعل تنفسهم تسبيحاً،
وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب - سبحانه -، وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئاً
أكثر من ذكره"، فتح الباري.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (هذا ليس من عمل التكليف،
الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل من النعيم الذي تتنعم به الأنفس، وتتلذذ به)،
مجموع الفتاوى لابن تيمية.
ورضوان من الله أكبر:
هل رأيت أيها المسافر ذلك النعيم المقيم في دار النعيم، إن هناك نعيماً أعظم وأكبر منه،
أتدري ما هو؟!، ذكر الله- جل وعلا -، فقال:
((وعد الله المؤمنين والمؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها
ومساكن طيبة في جناتٍ عدن وضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم))
(التوبة: 72).
هكذا يقول - تعالى -في كتابه العزيز: ((ورضوان من الله أكبر)).
فعلم أن رضاه - سبحانه وتعالى - عن عباده هو أكبر نعيم يلقونه في دار
الإكرام والإنعام، وهذا الإمام البخاري - رحمه الله - يروي لنا حديث أكبر الإنعام.
فيقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((إن الله - عز وجل - يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك،
والخير بيديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا، وقد أعطيتنا
ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون:
وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً))،
رواه البخاري. ذلك هو النعيم الذي لا نعيم بعده؛ أن يرضى عنك الله - جل وعلا - رضاً دائماً أبدياً،
لاسخط بعده، فتقر عينك بربك، وتأنس به، وتلك والله السعادة الحقيقية
التي جعلها الله - جل وعلا - حكراً على أوليائه في الدنيا والآخرة،
نسأل الله من فضله